تراجعت للخلف واصطدمت بقوة في أحد الصناديق وهي تلهث بشدة

إستدارت للهرب فوجدت ذلك الشاب في

مواجهتها وعلى وجهه أمارات الإستغراب

ظلت تنظر إليه مدهوشتا وهي تحاول

إستعادة رباطة جأشها

وعندما شعر أنها لن تتحدث معه بادر بسؤالها

" أكل شي بخير آنسة... سحر؟ "

تلعثمت مجيبة "نع...نعم"

نظر إليها لثانية وأكمل بصوت خفيض

"أهناك ما يضايقك ياآنسة"

أجابت بسرعة وشفتاها ترتجفان " لا "

عم الصمت بينهما لبضع ثوان قبل أن يكسره

الشاب قائلا

"أاااه جيد ظننت أنه ثمة شيء ما يزعجك"

ومد يده ليريها خريطة أبيها وأكمل

"لكن ربما كنت مخطئا"

لم تتكلم سحر فأكمل بصوت هادئ

"آسف على تطفلي آنسة سحر، أردت المساعدة فقط"

إزدردت محاولة جعل صوتها طبيعيا "لا لا...لابأس"

مدت يدها واستعادت خريطتها

تجاوزته لتغادر ولمحت الإحباط في وجهه

لكنها توقفت وقالت بصوت متحشرج

"هل يكمنني سؤالك ياسيد .... "

إنفرجت أساريره "زيد يمكنك مناداتي بزيد فقط"

وأكمل بانشراح "بالطبع اسألي ما شئت"

" أعتقد أني رأيت شيئا في الماء"

تلاشت الإبتسامة من على وجهه ونظر من فوق كتفها،ثم هرول باتجاه جدار السفينة

أجال نظره في جميع الإتجاهات

ثم استدار إليها وقد ارتسمت إبتسامة على وجهه

"آنسة سحر أنت مطالعة...كما أظن أن السيد

عمران أخبر...."

قاطعته "أعرف..."

ثم عقد ذراعيها وأكملت

"لكنني متأكدة أنني لمحت شيئا هناك"

ضحك بخفوت وقال

"صدقيني يا آنسة أنا أعمل هنا منذ تسع سنوات"

"لم يسبق لأحد ممن عبروا هذه البقعة من المياه، أن رأى أي أسماك تسبح هنا"

ثم أطلق ضحكة ساخرة وأكمل

"حتى أولئك الذين يزعجهم صرير خشب المقصورات"

نظرت إليه بتجهم أرادت محو إبتسامته المشككة، بإخباره أن ما رأته لم يكن سمكا أو أي مخلوق بحري

لكنها أبعدت عينيها عنه ونظرت باتجاه السلالم

لإنهاء هذا الحوار

فهي لا تريد قول أشياء غريبة لتصبح فيما بعد

نكاتا يثرثر بها هؤلاء البحارة ويضحكوا عليها

وراء ظهر والدها

"شكرا لك"

قالتها وهي تتجاوزه بسرعة

"آاا في خدمتك متى شئت"

صاح بها، إلا أنها لم تلتفت إليه

غمغمت وهي تنزل الدرج

"كيف عرف أني مطالعة؟ هل قام بالتحري عني؟ "

أخدت صواري الأشرعة تصر بقوة بسبب الرياح

كانت تحاول العودة لوالدها بعد أن نجحت في

نزول الدرج دون أي تعثر أو سقوط محرج

لمحها والدها من بعيد وصاح

"لديك أرجل بحارة بارعة سحر"

كان ثابتا في وقفته، فإلى جانب كونه تاجرا

كان محاربًا مخضرمًا في رحلات تجارية عديدة

إلتفت إثنان من البحارة ذوي وجه متجهم ناحيتها

إستطاعت رؤية فكيهما المشدودان، وتعابيرهم الساخطة

فأبعدت نظرها بسرعة عن نظراتهما المعادية

وهي تواصل المحافظة على توازن مشيتها التي كانت واثقة أنها تجعلها كالخرقاء

أجابت فور وصولها إليه

"إمتلاكي لأرجل ثابتة لا يعني أنني أستمتع بتمايل السفينة أبي"

"ولا بهذا الرذاذ المالح الذي لا ينفك عن دخول فمي"

قال والدها الذي يبدو أنه لاحظ ما حدث

"تزعجهم فكرة وجود إمرأة في السفينة"

"كما ترين إنهم كبار في السن وهناك الكثير من

الخرافات المتعلقة بالسفن والبحار"

"وعلى مايبدو أنهم يؤمنون ببعضها"

قالت بإنكار

"يظنون أنني سأكون سببا في إغراق السفينة؟ "

قال بصرامة

"حسنا هم يعرفون جيدا من أكون، وأنت ابنتي"

"فإذا كان القبطان قد رحب بوجودك في سفينته

فعليهم تقبل الأمر ، فقط تجاهليهم"

قالت "لن أهتم كثيرا بلوم هؤلاء البحارة لي اذا

صادف وغرقت هذه السفينة"

ثم جلست على صندوق وأكملت

"ولكن هل سنتأخر بسبب سوء الطقس؟ "

قال "ربما"

"ولكن على كل حال فيصل بن السامري

ينتظرنا في قمرسان "

"إنه يدرك جيدا أهمية هذه الصفقة وما تعنيه لي"

وأضاف بحمية "إنها فرصة العمر سحر"

إبتسمت له بود وقالت

"أعلم ذلك أبي"

فكرت جيدا، وقررت عدم إخباره بما رأته

حتى لا تثير قلقه ويندم على إحضارها معه

قال بعطف

"يبدو أنك متعبة سحر"

"إنزلي للمقصورة وارتاحي هناك"

قاطعته بسرعة

"أنا بخير أبي، كما أني أفضل الجلوس هنا"

ثم قامت بإخراج موسوعة صغير

وأكملت بإبتسامة تمنت أن تكون مقنعة

"أرغب في مراجعة بعض المعلومات"

لم ترغب أبدا في حبس نفسها في تلك المقصورات الضيقة التي خصصت لهم

البقاء فيها يأكد فقط على حركة السفينة

وتمايلها المزعج

كما أنه لا يمكن للمرء أن يستلقي على السرير

دون التفكير في كيفية الخروج إذا صادف

وغرقت السفينة

إستغرقت سحر في تصفح الموسوعة

كان هناك كنز ينتظرهم

قطعة مجهولة يحلم كل تاجر بوضع يده عليها

مرة واحدة في حياته

لم يكن والدها الباحث الوحيد عن هذا الكنز

لكنه كان مفاوضا بارعا وحاذق

لطالما حاولت سحر دون جدوى إقناع والدها

بمرافقته لأحدى رحلاته التجارية مذ كانت صغيرة لتوسيع آفاق معارفها، ورؤية العالم الخارجي، ما وراء بلدتها الصغيرة والمدن التجارية المحدودة التي زارتها برفقته

لكن الأمور تغيرت قبل إقلاعهم في هذه الرحلة بوقت قصير

فقد تعرض هيثم مساعد والدها وساعده الأيمن لحادث أثناء تفقده لبضاعة وصلت حديثا

حيث سقطت عليه بعض الرزم الثقيلة

التي كان العمال يقومون بنقلها لأعلى المخزن

مما أدى إلى إصابة خطيرة في رقبته

ومع أنها كانت واثقة بأنها لا تستطيع أخذ مكانه، كمساعد رسمي لوالدها، إلا أنه من حسن حظها أنها كانت مطلعة على الكثير مما يخص التجارة من الثقافات المختلفة

وتطبيقها لما تعلمته في العالم الخارجي الآن

كان تحديا بالنسبة لها

حل الظلام حاملا معه الرياح

أخدت السحب الداكنة تزداد كثافة

لم تحتج سحر إخراج الخريطة للتأكد من

أنهم وصلوا للمنتصف، لأنها بدأت تشعر بالضباب ثقيلا وباردا داخل صدرها

حتى طاقم السفينة بدا منزعجا من حركة السفينة

بدأت الأمواج تضرب الجوانب بعنف

أخذ الضباب الأبيض يلتف حول السفينة

بالكاد استطاعت سحر رؤية الصواري العالية

ذات الأشرعة

وهنا أدركت بالفعل أنه لا يمكن إلا لطاقم محترف، توجيه السفينة في هذا المسار الأعمى

كان والدها يصرخ لها فوق صوت الرياح العالي

"علينا النزول للأسفل حتى تهدأ الأمور...سحر هل تسمعين هيا انزلي...هاتي يد..... "

وتوقف فجأة

بدأ كل الطاقم يشير إلي الخلف إلتفت باقي

الركاب ليروا شكلا ضبابيا مظلما يقترب

سفينة ضخمة مكونة من ثلاث أو ربما أربعة

طوابق تدنو منهم

شهقت برعب وأغمضت عينيها بانتظار حدوث إصطدام عنيف

إرتفعت أصوات الصياح وخطوات أقدام تجري

وقعقعة معادن

فتحت عينيها لترى طاقم السفينة يصرخون

ويركضون ويلتقطون أدوات لصد الجدار الضخم

الذي يقترب منهم

بدأت تصرخ وقلبها يخفق بشدة مناديتا والدها

وسط الحشد الصاخب

إلتقط يدها واتجها خلف الحماية الواهية

لصناديق البضائع

رأت والدها ينزع خنجره من داخل حزامه

"أبي إلى أين ستذهب؟ !!!"

أجابها وهو يلقي نظرة من فوق الصناديق

"لا تقلقي...أنا باقي بجانبك"

أصابها الفضول لمعرفة مايجري

نظرت هي الأخرى، وإذ بالسفينة الصخمة

كما لو أنها كانت فوق رؤوسهم تماما

عبر بجانبهم ما بدا كرمح مشدودا بحبل

وسرعان ما بدأت تنتشر، أصاب السفينة جو

من النفير

أخذ الطاقم المسلح يهرول هنا وهناك

كان بعضهم يقطع الحبال الممتدة من السفينة الأخرى بالفؤوس

بينما بعضهم الآخر أشهر سلاحه إستعدادا للمواجهة

كانت سحر تشعر بحركة والدها بجانبها

وكانت تعلم أنه يود الإنضمام للطاقم المدافع

إلا أن وجودها كان الرادع له

"لصوص بحر!!!"

صاح بها مساعد القبطان وهو يندفع باتجاه

غرفة القيادة

أخدت السفينة الصخمة تقترب

وبدأت مقدمتها تتكشف من بين الضباب

شهقت بفزع

"أبي سيصطدمون بنا!!!"

إخترقتهم صرخة حادة وسقط أمامهم

رجل إثر ضربة رمح

أمسكها والدها من كتفها وخفض رأسها بسرعة صائحا فيها

"سأذهب لتفقده!!! أبقي رأسك منخفضا أسمعتي!!!؟ "

"إياك ان تتحركي!!!"

واتجه مسرعا ناحية المصاب

تلبدت الغيوم في السماء وأخذ رذاذ المطر

في السقوط

ومض البرق بقوة وأنار كل شيء

كان هناك جزء داخل سحر تمني لو أن صاعقة

تضرب تلك السفينة الغازية وتحرقها

إلا أن ظلا قاطع فكرتها

هناك في أعلى الحبال لمحت جسما ضبابيا

لرجل طويل يتأرجح بخفة اتجاه الأسفل

ظلت عينيها مثبتة بالظل الغريب

وصل للأسفل، لكنه إختفى وسط الجموع

ضرب البرق بقوة أكبر فاستطاعت رؤية صاحب

الظل يجري على حافة جدار سفينتهم، باتجاه

السفينة الصخمة

مالت للأمام لترى بوضوح فعلق شال رأسها

بمسمار الصندوق، ثم خطفته الريح وطار عاليا

في نفس اتجاه الظل، واختفى مع إختفاء الغريب

الذي كان بعدها بلحظات يقف متوازنا على الحافة الضيقة للسفينة الأخرى

وأخيرا بدأت السفينة بالتراجع

حتى ابتلعلها الضباب

__________________

رايكم بالفصل ♡

2022/12/08 · 26 مشاهدة · 1225 كلمة
Masah Masa
نادي الروايات - 2024